مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2119 - الجزء 4

  على التعيين أو نحوه، فليكفنا في الغائب الذي لا نحيط به علماً بالأولى؛ وما الدليل على أنه لا يمكن العلم بالمعلوم والتصديق به إلا بعد تصوره، وأما قولهم: أن العلم بالصفة تابع للعلم بالذات فلو سلم لكان لنا أن نقول: علمنا بأنه لا بد للمصنوع من صانع كافٍ في معرفة ثبوت الذات، ولا يشترط في معرفة الحقيقة كما مرَّ، وإذا علمنا أنه لا بد من صانع، علمنا أنه لا يكون إلا موصوفاً بتلك الصفات؛ لأنه لو لم يكن موجوداً حياً قادراً لم يصح منه الفعل، ولو لم يكن عالماً لم يصح منه إحكام فعله، ولو لم يكن قديماً لاحتاج إلى محدث، فثبت أنا لم نعلم الصفات إلا بعد العلم بالذات، ولا نسلم أن ذاته تعالى معلومة لنا بحسب اللوازم التي ذكروها من التنزيه ونحوها، وإنما علمت لنا بالدليل، وهو الأثر الدال بالضرورة على المؤثر. وأما قولهم: إن الناس تحيروا في الإنسان، فهو حجة عليهم؛ لأن تحيرهم في معرفة حقيقة الإنسان لم يمنع من علمهم بثبوته قطعاً، وإنما اختلفوا فيتعيين حقيقته ما هي، فما لهم لا يقولون: إن عدم وقوفنا على حقيقة ذات الباري جل وعلا لا يمنع من العلم بثبوته. هذا مع أنا لو سلمنا لهم أن التصديق متوقف على التصور فلا نسلم أنه متوقف على تصور الذوات، بل على ما يمكن تصوره، كما ذكره علماء المنطق.

  قال في شرح (الشمسية): استدعاء التصديق بتصور المحكوم عليه ليس معناه أنه يستدعي تصور المحكوم عليه بكنه الحقيقة، حتى لو لم يتصور حقيقة الشيء يمتنع الحكم عليه، بل المراد به أنه يستدعي