تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  من الفساد، أو لقهر الغالب المغلوب، وأيهما كان فهو عجز، والعجز لا يكون إلا للمخلوقين؛ إذ هو ضعف الآلات والعدد، وليست إلا للمخلوقين لما ثبت من غناء الباري تعالى، وذلك يبطل كونهم آلهة؛ وقد نبه على هذا الدليل أمير المؤمنين ~ في وصيته لولده الحسن السبط # المروية في أمالي أبي طالب، وسلوة العارفين، ونهج البلاغة، فقال: (واعلم يا بني، أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، لا يزول أبداً ولم يزل) وهذا لفظ النهج، وقد جوز الاستدلال به، واستخرج درره ولآلئه العلامة ابن أبي الحديد في شرحه فقال: يمكن الاستدلال بهذا الكلام على نفي الثاني من وجهين:
  أحدهما: أنه لو كان في الوجود ثانٍ للباري تعالي لما كان القول بالوحدانية حقاً، بل كان الحق هو القول بالتثنية، ومحال أن لا يكون ذلك الثاني حكيماً، ولو كان الحق هو إثبات ثان حكيم لوجب أن يبعث رسولاً يدعو المكلفين إلى التثنية؛ لأن الأنبياء كلهم دعوا إلى التوحيد، لكن التوحيد على هذا الفرض ضلالٌ، فيجب على الثاني الحكيم أن يبعث من ينبه المكلفين على ذلك الضلال، ويرشدهم إلى الحق وهو إثبات الثاني، وإلا كان منسوباً في إهمال ذلك إلى السفه، واستفساد المكلفين، وذلك لا يجوز، ولكنا ما أتانا رسول يدعو إلى إثبات ثانٍ في الإلهية، فبطل كون القول بالتوحيد ضلالاً، وإذا لم يكن ضلالاً كان حقاً، فنقيضه وهو القول بإثبات الثاني باطل.