تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  الوجه الثاني: أنه لو كان في الوجود ثانٍ للقديم تعالى لوجب أن يكون لنا طريق إلى إثباته إما من مجرد أفعاله، أو من صفات أفعاله، أو من صفات نفسه، أو لا من هذا ولا من هذا، فمن التوقيف(١) على وهذه هي الأقسام التي ذكرها أمير المؤمنين #؛ لأن قوله: (أتتك رسله) هو التوقيف، وقوله: (ولرأيت آثار ملكه وسلطانه) هي صفات أفعاله، وقوله: (ولعرفت أفعاله وصفاته) هما القسمان الآخران، أما إثبات الثاني من مجرد الفعل فباطل؛ لأن الفعل إنما يدل على فاعل، ولا يدل على التعدد(٢)، وأما صفات أفعاله وهي كون أفعاله محكمة متقنة فإن الإحكام الذي نشاهده إنما يدل على عالم، ولا يدل على التعدد، وأما صفات ذات الثاني فالعلم بها فرع على العلم بذاته، فلو أثبتنا ذاته بها لزم الدور، وأما التوقيف فلم يأتنا رسول ذو معجزة صحيحة يدعو إلى الثاني، وإذا بطلت الأقسام كلها وقد ثبت أن مالا طريق إلى إثباته لا يجوز إثباته بطل القول بإثبات الثاني.
  وقال السيد محمد ابن عز الدين |: لو كان متعدداً ومنعت الحكمة من تخالفهما لما وصلنا رسول مؤيد بمعجز خارق يدعو إلى أحدهما، ويكذب دعوى التعدد.
  قال: وأيضاً لو فرضنا التعدد من غير منع للحكمة من الاختلاف لكان ترك رسول الآخر لا يخلو إما أن يكون لعجز. وهو أمارة
(١) أي دليل السمع. تمت مؤلف.
(٢) ولا على نفي التعدد، فحينئذ لا يصلح الاستدلال به إلا من حيث أنه يجب القطع بنفي مالا دليل عليه كما سيأتي للشارح. تمت مؤلف.