مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2192 - الجزء 4

  الحدث، أو لحكمة وهو باطل؛ لأن الكذب ينافيها، فيقتضي دفعه بالإرسال.

  قلت: ويمكن أن يستدل بنفي الرسالة على نفي الثاني على وجه آخر، وهو أن يقال: قد ثبت إرسال الرسل بالدعاء إلى التوحيد، ولو كان للقديم تعالي ثان لو جب أن يشاركه في جميع صفاته، فيجب أن يكون عدلاً حكيماً مثله، وإذا كانا حكيمين لم يجز منهما، ولا من أحدهما إرسال الكاذب، فدلَّ ذلك على صدق الأنبياء $، والمعلوم من دينهم ضرورة الإخبار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك، والدعاء إلى ذلك، والتصريح به، ولو كان ثُمَّ ثان في نفس الأمر لكان ذلك كذباً، والكذب قبيح؛ وهذه الدلالة مركبة من العقل والسمع.

  الدليل الخامس: ذكره أبو الهذيل، وأبو علي وغيرهما من قدماء المعتزلة، وهو أنه لو كان مع الله قديم ثان لما انفصل وجود ذلك الثاني من عدمه؛ لأن اشتراكهما في القدم يوجب اشتراكهما في جمع صفات الذات، فلا ينفصل أحدهما عن الآخر فيما يرجع إلى ذاته، ولا هما مما يصح عليه المكان فينفصلان بالمكان، ولا ما يصح عليه الحدوث فينفصلان بالزمان.

  فإن قيل: ينفصلان بالأفعال فيدل علي كل واحد منهما أفعاله.

  قيل: أما من يوجب كون مقدورهما واحداً، وهم الجمهور فلا يرد عليهم هذا السؤال؛ لأنهم يجعلون جميع أعيان المقدورات مقدورة للقادر للذات، ولا يقولون بأنه لا يقدر على بعض الأعيان