تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  الثاني: أن الظلمة قد يحصل منها خير وشر، والنور قد يحصل منه خير وشر، وذلك معلوم، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في الفاتحة.
  الثالث: أن الواحد منَّا يصدر عنه الخير والشر ضرورة، فإن قالوا: جميع ذلك فينا من النور أو من الظلمة، بطل قولهم: أنه لا يصدر من النور إلا الخير، ولا من الظلمة إلا الشر، وإن قالوا: الخير من النور، والشر من الظلمة، أبطله توجه المدح والذم إلى جهة واحدة، وفاعل واحد.
  الرابع: أنه يلزمهم أن يكون الشيء الواحد حسناً قبيحاً، وخيراً وشراً في حالة واحدة؛ لأنه قد يكون طعام واحد يشتهيه شخص، وينفر عنه آخر في حالة واحدة.
  وأما الكلام على القائلين بأن النور والظلمة امتزجا فتولد منهما العالم فنقول: امتزاجهما إما أن يكون على جهة الوجوب، أو على جهة الجواز، الأول باطل، وإلا لزم حصوله في الأزل، فيكون قديماً فلا يحتاج إلى مازج؛ لأن القديم لا يحتاج إلى مؤثر، والثاني باطل أيضاً؛ لأن حصوله إما أن يكون من مؤثر على جهة الاختيار فهم لا يقولون به، ولو قالوا به لقيل: فهلاً صح من هذا الذي مزجهما أن يفعل الخير والشر باختياره، ولا حاجة إلى ثانٍ وثالث، وإما أن يكون على جهة الإيجاب، فالموجِب إما أن يكون قديماً أو محدثاً، باطل أن يكون قديماً؛ لأنه ليس بأن يمزجهما بأولى من أن يمزجه أحدهما بالآخر، فإن لاذوا بالطبع فهو غير معقول، وإن كان محدثاً فهم لا يقولون به؛