تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  القطع بشيء منها على كفرهم؛ لأن أكثر التعويل على القياس. وهو لا يكون قطعياً إلا إذا أمكن القطع على علة الكفر في مكان، والقطع على حصولها في مقالة المجبرة، وذلك متعذر في الغالب؛ لأن المرجع بالكفر إلى بلوغ العقاب قدراً عظيماً مع إجراء أحكام مخصوصة، والمجبرة متى كانت تعترف بجمل الإسلام من إثبات الصانع، وعدله، وصفاته، وصدق رسله لم يمتنع أن يكون عقابهم فيما أخطأوا أقلمن عقاب من لم يعتقد الإسلام، فلا يمكن القطع بكفرهم.
  قلت: أصحابنا يكفرونهم بالإلزام في أكثر المسائل التي كفروهم بها، وقد تقدم الخلاف في التكفير بالإلزام في المسألة الثانية مما يتعلق بقولِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٦}[البقرة] وكذلك قد تكلمنا هنالك على التكفير بالقياس. إذا عرفت هذا فمن جملة الوجوه التي كفروهم بها إثبات المعاني القديمة، وتكفيرهم بها من وجوه:
  أحدها: إجماع الأمة في الصدر الأول والثاني على أن من أثبت مع الله قديماً آخر فهو كافر، وهو إجماع مستمر حتى نشأ الخلاف وتفرقت الآراء، واتبع الأشعري النجار وابن كلاب، فقيل، بهذه المقالة.
  قال أبو القاسم البستي: لم يكن خلاف بين الصدر الأول والثاني أنمن أثبت قديماً سوى الله وغير الله وليسٍ هوِ الله فهو كمن أثبت إلهاً ليس هو الله، والمعلوم أن من أثبت إلهاً ثانياً فهو كافر، فكذلك من أثبت قديماً ثانياً، ثم قال ما معناه: إن الصدر الأول كان يقول بذلك