مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2219 - الجزء 4

  ويدل على ذلك ما مرّ من قول علي #: (ومن جزأه فقد جهله)؛ وأما المعتزلة فلم يثبتوا أمراً معقولاً يلزم منه حدوث الباري تعالى، وإثبات قديم آخر معه، ولذا ألزمهم في الأساس وغيره بتلاشيها.

  الوجه الثالث: أن الله تعالى إنما كفر النصارى بقولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}⁣[المائدة: ٧٣] لأجل أنهم أثبتوا قدماء مع الله تعالى، يوضحه أن أكثرهم يقول: ذات وصفات، والمجبرة أدخل منهم في ذلك⁣(⁣١)؛ ولهذا قيل لبعضهم: إذا كنت موافقاً للنصارى فلم كفرتهم؟

  قال: لأنهم نقصوا عن الواجب واقتصروا على الثلاثة، واعترض بأن كفر القائلين بالمعاني لا يصح أخذه من ظاهر الآية؛ لأن الله تعالى إنما كفر النصارى لقولهم: ثالث ثلاثة، والمجبرة لا تطلق ذلك، وأيضاً النصارى تعتقد إلهية الثلاثة بخلاف المجبرة، ولا يصح تكفيرهم بالقياس، فيقال: إن الله إنما كفر النصارى لإثباتهم قدماء مع الله تعالى على الإطلاق؛ إذ لا يمكن القطع بأن ذلك هو العلة فقط، فإن من الجائز أن تكون العلة هي ذلك مع اعتقادهم استحقاقها للعبادة، كما هو ظاهر حالهم، وأما ما يحكى عن بعضهم من أنه إنما كفرهم؛ لأنهم نقصوا الواجب، - فإن صح هذا عنه فلا شبهة في كفره؛ لأن ظاهره يقتضي أن الحق عنده أنَّ الله تعالى ثامن ثمانية، أي ذات وسبع صفات⁣(⁣٢).


(١) لأنهم يقولون بقدم الذات والصفات فأثبتوا ثمانية قدماء. تمت مؤلف.

(٢) جرى على اصطلاحهم في تسمية المعاني صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإدراك، والإرادة، والكراهة، والكلام، ومنهم من يزيد على هذه السبع. تمت مؤلف.