تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  بالجحود في قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا ...} الآية [النمل: ١٤] ولا يوصف بذلك إلا منكر الضرورة، وأقول: ليس في اعتراف السحرة بمعجزة موسى # وإخبار الله عن قوم فرعون ما يدل على أنهم علموا ذلك ضرورة؛ إذ من الجائز أن يكونوا علموا ذلك استدلالاً فاعترف السحرة، وجحد الآخرون بعد معرفتهم لصدقه بالنظر، فأخبر الله عن جحودهم بعد علمهم النظري، ولا نسلم أنه لا يوصف بالجحود إلا منكر الضرورة، بل يوصف به منكر المعلوم، سواء علمه ضرورة أو دلالة، ولذا قال علي #: (الذي تشهد له أعلام الظهور على إقرار قلب ذي الجحود) فإنه يدل على أن الجاحد قد يكون مقرا بقلبه بإثبات الصانع لقيام الدليل عليه، وهو أنواع العالم المعبر عنها بأعلام الظهور، فسمى إنكاره جحوداً مع أنه إنما أنكر ما علم دلالة. هذا. وأما كيفية دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة فقد اختلف في ذلك، فعند أصحابنا أن دلالته عقلية محضة كدلالة الفعل على وجود الفاعل، ومعناه: أن من وجد على يديه المعجز فهو نبي صادق لدلالة المعجز على صدقه؛ إذ لو لم يكن صادقاً لقبح عقلاً إيجاد المعجز على يديه؛ لأن تصديق الكاذب قبيح فيمتنع وقوعه من الله تعالى من حيث الحكمة كسائر القبائح؛ ولهذا ألزموا المجبرة لما نفوا القبح العقلي بجواز خلق المعجز على يد الكاذب، وقالت الأشاعرة: ليست عقلية محضة؛ لأن الأدلة العقلية مرتبطة بمدلولاتها، ولا يجوز تقديرها غير دالة عليها، والمعجز ليس كذلك فإن خوارق العادات عند قيام الساعة من انفطار السماء وانتثار الكواكب واقعة، وليست دالة على النبوة قطعاً