مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت

صفحة 2257 - الجزء 4

  لانتفاء الرسالة في ذلك الوقت، وكذلك تكون الخوارق على يدي الأولياء وغيرهم، وهي غير دالة على صدق مدعي النبوة، وإذا كان المعجز قد يتخلف مدلوله عنه وهو دلالته على صدق نبي ثبت أن دلالته ليست عقلية، وإنما هي دلالة عادية، ومعناها أن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجز. قالوا: وإظهار المعجز على يد الكاذب وإن كان ممكناً عقلاً فانتفاؤه معلوم عادة، فإن من قال: أنا نبي، ثم نتق جبلاً وأوقفه على رؤوس قومه، ثم قال: إن كذبتموني وقع عليكم، وإن صدقتموني انصرف عنكم فكان كلما هموا بتكذيبه قرب منهم، وكان كلما هموا بتصديقه بعد عنهم يعلم بالضرورة أنه صادق، والعادة قاضية بامتناع ذلك من الكاذب، مع كونه ممكناً صدوره من جهته عقلاً لشمول قدرة الله تعالى للمكنات بأسرها. وقد ضربوا لهذا مثلاً وهو أنه لو ادعى رجل بمشهد الجم الغفير أن هذا الملك أرسله إليهم، ثم قال للملك: إن كنت صادقاً فخالف عادتك، وقم من على سريرك واقعد في مواضع الأتباع والحشم، - ففعل - كان ذلك نازلا منزلة تصديقه بصريح المقال، ولم يشك أحد في صدقه بقرينة الحال والمقام، وهي ما نعلمه ضرورة من جهة العادة أن فعل هذا الملك يفيد تصديق المدعي للرسالة، فكذلك في المعجزة. وفي المواقف وشرحها عن بعض الأشعرية: أن خلق المعجز على يد الكاذب غير مقدور في نفسه؛ لأن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة دلالة قطعية يمتنع تخلفها، فلا بد لها من وجه دلالة؛ إذ به يتميز الصحيح من الأدلة عن غيره. وإن لم يعلم ذلك