تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  الوجه بعينه، وأيضاً. لو خلق المعجز على يد كاذب لم يخل من أحد أمرين، وهما الدلالة على صدقه، أو عدم الدلالة، وكلاهما باطلان:
  أما الأول: فلأنه يلزم منه أن يكون الكاذب صادقاً وهو محال.
  وأما الثاني: فلما فيه من انفكاك المعجز عما يلزمه من الدلالة القطعية.
  والجواب: عما ذكروه أن نقول: أما استدلالكم على أن دلالة المعجز غير عقلية؛ لوجود الخوارق عند قيام الساعة - فباطل. لما مرَّ من أن الكلام في المعجزات الخارقة مع بقاء التكليف. وأما قولهم بوجودها على يد الأولياء وغيرهم، فغير مسلم، سلمنا، فنقول: الباري تعالي عدل حكيم لا يوقع عباده في لبس، فلا بد وأن يفعل ما يزيل اللبس إما باعتراف من وقعت على يديه بالنبوة لغيره، أو عدم دعوى النبوة، وإلا لم يجز من الله فعلها، وهؤلاء إنما جوزوها على يد الكاذب والساحر وإن أوقعت في اللبس بناء على قولهم: أنه لا يقبح من الله قبيح.
  فإن قيل: المعلوم أنه قد يتفق من أهل الكهانة والعارفين بالخواص التي أودعها الله بعض الأجسام ونحوهم ما يلتبس بالخوارق، والذي يخفى عليه علل ذلك وأسبابه لا يأمن في المعجزات أن تكون من هذا القبيل، خصوصاً من العوام الذين لا يعرفون حقيقة المعجز ولا شرائطه، وربما كان ذلك سبباً لاتباعهم من ادعى النبوة من هؤلاء، كما قد وقع ذلك على ما في كتب التاريخ، فبماذا يميز الناظر المعجز عن غيره؟ وكيف جاز من الله تمكينهم مما يوقع في اللبس؟