تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  الاعتراض الثالث: أن تركهم المعارضة لأنهم ليسوا من أهل النظر والجدال، وإنما عادتهم القتال ومصاولة الأقران، فعدلوا إلى ما يعتادونه، ومن الجائز أنهم لم يعلموا أن المعارضة تبطل أمره، ويجوز أيضاً أن يكونوا عدلوا إلى قتاله لأنهم أرادوا استئصاله، ومع هذه التجويزات لا يكون عدم المعارضة دليلا على عجزهم عنها.
  والجواب: أن المعلوم من حال العرب معرفتهم لطريق المعارضة والجدال، بل كانت مفاخرتهم بالقصائد الفصيحة، والخطب البليغة، ولذا لم يأتِ شاعر بقصيدة إلا ويوجد من يعارضه فيها، وهذا معروف من حال شعرائهم، كامرئ القيس، وعلقمة وأشباههما.
  قوله: ومن الجائز أنهم لم يعلموا ... إلخ.
  قلنا: هذا باطل فإن كل أحد يعلم أن خصمه إذا أتى بأمر وادعى لمكانه منزلة عظيمة، وتحداه بمعارضته، فإنه متى عارضه فقد أبطل دعواه، وهذا مما لا يخفى حتى على الصبيان؛ ألا ترى أن صبياً لو تحدى صبياً آخر، وقال: إني أطفر هذا الجدول وأنت لا تقدر عليه. فإن الآخر يعلم أن دعواه تبطل بطفره ذلك الجدول.
  قوله: ويجوز أنهم أرادوا استئصاله.
  قلنا: وهذا باطل أيضاً فإنه لا يجوز على عاقل أن يقدر على إبطال أمر خصمه بالأمر السهل، فيعدل إلى ما فيه كلفة ومشقة، وتعريض بالنفس إلى الفناء والهلكة، لا سيما وهم لا يقطعون بأنهم يغلبونه، بل يجوزون أن تكون الدائرة عليهم، وهذا معلوم حتى للصبيان