تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  كما مرَّ، فإن الصبي لا يعدل إلى قتل صاحبه مع إمكان الظَّفر(١) منه، وكيف يقال: إن عدولهم عن المعارضة إلى قتاله لقصد استئصاله مع أنهم لو قتلوه لكانت الحجة عليهم ألزمَ؛ لأن لأصحابه أن يقولوا قتلتم نبياً من أنبياء الله، وأيضاً النبي ÷ لا يستهان بقتاله؛ لأنه كانفي منعة عظيمة في قومه بحيث لا يقدر معها العدول إلى قتاله إلا عند عجزهم عن إبطال أمره بغيره.
  الاعتراض الرابع: لعلهم إنما تركوا معارضته؛ لأنه جمع القرآن في مدة طويلة، وطلب منهم معارضته في أيام يسيرة، فلما لم يمكنهم ذلك في تلك المدة عدلوا إلى القتال.
  والجواب: لو كان الأمر كذلك لا عتذروا بأنه لم ينصفهم بالإمهال؛ وبعد، فإنه قد تحداهم بأن يأتوا بسورة كما في هذه الآية، ومن السور ما هو ثلاث آيات، ومثله مما لا يحتاج إلى مدة طويلة؛ وأيضاً، كان يمكنهم أن يأمروا فصحاءهم بمعارضته والنظر فيها، وهم يشتغلون بقتاله، فلما لم يقع شيء من ذلك دلَّ على أن عدولهم إلى القتال للعجز.
  الاعتراض الخامس: أن هذا الأصل مبني على أنهم كانوا أهل حرص على إبطال أمره، وهذه دعوى، ومهما لم تثبت فلا يكون تركهم المعارضة دليلاً على عجزهم.
  والجواب: أن العلم بذلك ضروري، ويزيده وضوحاً ما في إبطال
(١) أي ظّفر الجدول. تمت مؤلف.