مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت

صفحة 2277 - الجزء 4

  الضروري بذلك في نظائره، ومع قطعه بذلك كان تحديه بأقصر سورة منه شاهد عدل، بل طريقاً يفيد الضرورة أنه عالم عند تحديهم بعجزهم عن ذلك، وإلا كان معرضاً نفسه للنقص، ودعواه للإبطال.

  قال الرازي: إنه إذا لم يكن قاطعاً بصحة نبوته كان يجوز خلافه، وتقدير وقوع خلافه يظهر كذبه، فالمبطل المزور البتة لا يقطع في الكلام ولا يجزم به، فلما جزم دلَّ على أنه ÷ كان قاطعاً في أمره.

  قلت: ولا يجوز أن يكون قاطعاً في أمره، إلا إذا لم يكن من فعله كما مرَّ.

  قال الإمام المهدي: وهو لا يعلم بيقين عجزهم إلا وهو عالم عجز نفسه عنه؛ إذ لو لم يعلم عجز نفسه لم يعلم عجز غيره.

  الاعتراض الثاني: أن العرب وإن لم يكونوا قادرين على مثل القرآن فما يؤمنا أن في الجن والملائكة من يقدر على ذلك، وحينئذٍ يجوز أنبعضهم ألقاه إليه، ويجوز أن يكون في الجن من يقدر على معارضته، لكنهم تركوها رغبة في إضلال الإنس وإغوائهم، وتركها الصالحون منهم؛ لأنهم لم يكونوا في الفصاحة مثل الشياطين، أو كانوا مثلهم، وتركوها لأنهم وكلوا المكلفين إلى عقولهم، فإن العقل يجوز كونه ليس من فعل الله تعالى، ومع هذا التجويز لا يقطع بأنه من فعل الله، فمن قطع فإنما أتي من جهة نفسه.

  والجواب: أما الجن فلا نسلم أن فيهم من يقدر على مثله؛ لأن التحدي شامل لهم، وفيهم الصالح، والطالح، والكبر، والحسد