تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  دلنا على أنه ليس من فعلهم، وإنما هو فعل الله، والملائكة عاجزون عنه لآيات التحدي وغيرها، وحاصله أنه لا يكون منهم إلا الصدق لعصمتهم، وإذا لم يكن منهم إلا الصدق وجب أن يكون القرآن ليس بفعل لهم، وإن كانوا الذين ألقوه إلى الرسول لدلالة آيات التحدي علي عجزهم عنه.
  قلت: ولا يقدرون على معارضته، وإلا لما كان لتحديهم معنى.
  الاعتراض الثالث: أن عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن، وإن سلم فمن الجائز أن يكون وقوعه هو وغيره من معجزات الأنبياء على الوجه الذي تدعيه الفلاسفة، وهو أنه من تأثير النفوس التي ليست جسماً ولا حالة في الجسم، كما يجعلون تأثير عين العائن من تأثير النفس؛ وتحقيق مذهبهم أنهم جعلوا الإنسان غير الشخص المعروف، وأثبتوا له تأثيراً وعملاً، فيجوز أن تكون هذه المعجزات من تأثيرات النفوس كما في العائن، ويجوز أن يكون لبعض الناس معرفة في طوالع النجوم وخواصها ما ليس لغيره، فاستعان بها على ظهور الخوارق على يده، فلعلُّ هذا من ذاك، وقد ثبت عن كثير من الناس الإخبار بالغيوب وذلك معلوم، ومنه حديث المرأة العمياء التي كانت ببغداد، وكانت تخبر بالغيوب على سبيل التفصيل، ولا خلاف أنه كان في زمن الجاهلية كهنة يخبرون بمبعث النبي ÷ قبل حصوله، ويجوز أيضاً أن بعضهم يعرف خواص بعض الأشياء فأظهر بسببها الخوارق، ولا يستنكر مثل هذا، فإن المعلوم أن حجر المغناطيس تجذب الحديد.