الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  فظهر الفرق بينهما، وأيضاً لو كان اللون متولداً عن الضرب للزم أن يتولد من أول ضربة، وأن يتولد في ظاهر البشرة، وكذا بياض القبيطا، فإن ذلك اللون ليس بحادث، بل هو لون كان فيه وظهر بالضرب، ولهذا يستعان في ذلك ببياض البيض، وكذلك الكلام في اللون الحاصل عند خلط الزاج بالعفص، والحرارة(١) الحاصلة عند حك أحد الراحتين بالأخرى.
  وأما الأصل الثاني: وهو أنها لو لم تكن من فعلنا لما وجب فيها ذلك، فدليله أنها لو كانت من فعل الله تعالى لجرت مجرى الصور والألوان ونحوها مما علمناه أن العلة في تعذره علينا أنه لا يقف على أحوالنا، بل يوجد وإن كرهناه، ويفقد وإن أردناه، وكذلك أفعال غيرنا لما لم تكن من فعلنا لم تقف على أحوالنا.
  فإن قيل: حاصل دليلكم أن أفعال العباد توجد بحسب الدواعي والصوارف، وتنتفي بانتفائها، وأنها لما كانت كذلك وجب كونهم الموجدين لها؛ لأنها قد دارت على الدواعي والصوارف وجوداً وانتفاءً، ونحن وإن سلمنا لكم ذلك فلنا أن نقول: دليل الدوران ظني حتى أن بعضهم لم يتمسك به في الفروع الظنيات، فكيف يتمسك به في قطعيات المسائل، ولا مانع من أن يوجد الله أفعالكم عند قصودكم بمجرى العادة.
(١) فإن ما يظهر من السواد كان كامناً فيهما وإنما ظهر بالخلط ولو كان حاصلاً بالخلط بمعنى أنه لم يكن كامناً وإنما الخلط أحدثه لزم في كل ما يعين اختلاط. تمت مؤلف.