تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  قال الحسن بن يحيى #: وقد أجمع المسلمون على أن سدرة المنتهى في الجنة التي أعدت للمتقين. وقال الرازي في جنة المأوى: ليست إلا دار الثواب بإجماع الأمة.
  وأجيب بأن الدليل القاطع قد دلَّ على فناء العالم، وكل من قطع بفناء العالم لا يكون له سبيل إلى القطع بوجود الجنة والنار اللتين وعدا لله المجازاة بهما؛ لأن العلم بتخلل عدم إعدادهما قبل وصولهما إلى من أُعدا له يمنع كونهما معدودتين له ضرورة؛ ألا ترى أنك لو أعددت علفاً لبهيمتك وأنت تعلم تلفه قبل وصولها إليه وأخبرت بذلك غيرك لسارع إلى تكذيبك في كونك أعددته لها، وحينئذٍ يجب تأويل هذه الآيات على ما يليق، فنقول: المراد بأعدت ونحوه مما كان بصيغة الماضي المستقبلُ، وذلك كثير في اللغة كقوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ}[الزمر: ٧٣] وقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ}[الأعراف: ٥٠] إلى غير ذلك مما يطول تعداده، وكله بلفظ الماضي، والمعلوم أن المراد به المستقبل(١).
  وأما قوله: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ١٤ ...} الآية [النجم: ١٤]، فالمراد بتلك الجنة الموصوفة بما ذكر تأوي إليها أرواح الشهداء بقية أيام الدنيا، وليست جنة الخلد التي وعد المتقون، وإنما عدلنا إلى التأويل للجمع بين الأدلة. ورد بأنا لا نسلم القطع بفناء العالم؛ سلمنا. فلا نسلم أن ذلك يمنع القطع بوجودهما الآن؛ لأنا نقول: تخلل العدم مع إعادتهما بأعيانهما لا يمنع كونهما معدودتين للمتقين والكافرين، وإنما فناؤهما كتباعدهما
(١) لكن لما كان وقوعه مقطوعاً به عبر عنه بالماضي الدال على تحقق الوقوع. تمت مؤلف.