تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  ما يسقط عقابها حكم عليه بالاستحقاق، وإن كان قد فعل ما يسقطه فلا، هذا معنى المذهب، وحاصله أن الموافاة تكشف عن عدم الاستحقاق، ثم اختلفوا، والمشهور من اختلافهم أن منهم من يقول: إن الموافاة شرط حقيقي، فلا يحصل الاستحقاق إلا في الآخرة، فالطاعة والمعصية موجبان للثواب والعقاب، والموافاة شرط في استحقاقهما، ومنهم من يجعل الشرط العلم، فإن علم الله من حاله الموافاة بالطاعة استحق الثواب في الحال وإلا فلا، وكذلك المعصية. واختلفوا أيضاً في أنه هل تعتبر موافاة الموت وانقطاع التكليف، أو موافاة القيامة، أو موافاة الإعادة أقوال لهم. واختلفوا أيضاً فيما لا يوافى به من طاعة أو معصية، بأن يكون قد فعل ما يبطل الطاعة ويكفر المعصية، فقيل: لا يستحق عليها ثواباً ولا عقاباً. لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لعدم شرط الاستحقاق، وهو الموافاة، وقيل: بل يستحق ثواب الدنيا وعقابها.
  والحجة لما ذهب إليه أصحابنا من ثلاث جهات:
  الجهة الأولى: في الدلالة على أن استحقاق الثواب والعقاب يكون عقيب فعل الطاعة والمعصية والذي يدل على ذلك أن الذي يوجب الثواب والعقاب إنما هو الطاعة أو المعصية، وهذه الآية تدل على ذلك؛ بدليل أنه رتب البشارة بالجنة على حصول الإيمان والعمل الصالح، فإذا وجدتا(١) أوجبتاالاستحقاق؛ إذ لا مانع من توبته. وأيضاً لو جاز تأخره عنهما لم يكن
(١) أي: الطاعة والمعصية. والله أعلم.