تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  الواجب وترك القبيح، مع أنه لا مشقة عليه في ذلك، فلا بد أن يكون إزاء هذه المشقة ما يقابلها، وهو الثواب.
  فإن قيل: إنما كلفه لأن المدح مع المشقة يكون أبلغ.
  قيل: المبالغة يمكن حصولها من دون المشقة، فلا وجه لها، وأيضاً المعلوم أن الباري تعالى يستحق أبلغ المدح ولا مشقة تلحقه، وعلى ما قلتم يلزم أن يستحق المكلف من المدح أكثر مما يستحقه الباري جلَّ وعلا.
  دليل آخر: وهو أنه لو كان المقصود من التكليف حصول المدح لم يكن للإعادة معنى؛ لأن المدح يمكن للمعدوم، كما يمدح المرء بعد وفاته.
  واعلم أنه لا خلاف في أن استحقاق المدح على الطاعة لا يكفي، إلا عن بعض الفلاسفة الإسلامية، فإنه روي عنهم أن المدح وما يقع من السرور كافٍ في حسن التكليف بالمشاق.
  الحكم الثالث: أن الثواب لا يكون مجرد السرور، والخلاف في ذلك لبعض الفلاسفة كما مرَّ، وحكاه الموفق بالله عن بعض اليهود والنصارى، قال: فزعموا في العقاب أنه الغم، وأن صورة المثاب في الجنة بمنزلة النائمُ الذي يتخيل له نَيَلُ سَنِيّ الملاذ والرتب، لا أنه ينالها، في التحقيق. لنا: الآية ونحوها، فإنها صريحة في خلاف قولهم، ومن جهة العقل ما مرَّ فِي المدح، فإنه يجري هنا - أعني عدم الاعتداد بالسرور جرد - وأيضاً، المرجع بالسرور إلى اعتقاد نفع أو ظنه، ولا يجوز