تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  من الحكيم التكليف لهذا الوجه، وكيف يجوز منه أن يكلفه بترك المنفعة العظيمة، وتحمل الكد العظيم، وبذل الروح، حتى إذا وافى المحشر لم يظفر إلا باعتقاد أنه سوف ينتفع.
  الحكم الرابع: أنه لا يكون إلا بمنافع عظيمة. ودلالة الآية على ذلك ظاهرة، ومن جهة العقل أنا كلفنا الشاق فلا بد أن يكون في مقابلته من الثواب ما يزيد عليه في القدر إلى أن يبلغ حداً لا يحسن الابتداء بمثله، ولا التفضل به، وإلا كان التكليف عبثاً وظلماً كما مر في بيان حسن التكليف.
  الحكم الخامس: دوام الثواب؛ لقوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٥}[البقرة] وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ}[الرعد: ٣٥] وهذا الحكم ثابت له، ولا يجوز تخلفه عنه، بل ودوامه واجب، والعقل يحكم بوجوب دوامه من وجوه:
  أحدها: أنه نظير المدح، والمدح يستحق دائماً، فكذا نظيره؛ لاتحاد جهة استحقاقهما.
  الثاني: أنه لو لم يجب دوامه لجوزوا انقطاعه، فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة، وكلما كانت النعمة أعظم كان خوف انقطاعها أعظم، وذلك يقتضي أن لا ينفك أهل الجنة عن الغم والحسرة، وقد نفي عنهم.
  الثالث: أنه يحسن من الله تعالى دوام التفضل، فلو كان الثواب منقطعاً لكان أعلى حالاً من الثواب، ولقبح التكليف لأجل الثواب؛ لأن التفضل يغني عنه، بل يكون أبلغ منه؛ لجواز دوامه، والقطع بانقطاع الثواب، ولاختار العقلاء التفضل على الثواب المنقطع.