تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  فمسلم، لكن ذلك لا يستلزم عدم إمكان التقدير من المثيب(١) العزيز العليم، ولا يمكن المثيب جل وعلا، فغير مسلم، وصار الحال في ذلك كالحال في كمية أجزاء الثواب، فإنه لا يمكننا معرفة مقدارها، والباري تعالى يعلم ذلك، ولا يصح أن يقال: إذا كان لا يمكننا تقدير أجزائها بِقَدْرٍ دُونَ قَدْرٍ وجب أن لا تتناهى. قال #: فالمعتمد في دوامه دليل السمع، فالقرآن فيه تصريح بذلك، وتأكيد له، وكذلك السنة النبوية، والأخبار الصحيحة المروية.
  قلت: وكذلك إجماع الفرق الإسلامية، إلا ما يحكى عن جهم والبطحي، فإنهما منعا دوام الثواب والعقاب، وقولهما باطل بما ذكرنا، وبما مرَّ في الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}[البقرة: ٦] من دليل دوام العقاب.
  الحكم السادس: أن الثواب يكون خالصاً عن الشوائب والمنغصات؛ ودليله وصفه بالخلود؛ لأنه تعالى لو لم يصفه بذلك لجوزوا انقطاعه، وفي ذلك تنغيص كما مرَّ، فكان وصفه بالخلود دليلاً على أنه لا ينغص عليهم بخوف الانقطاع. ومن الدليل على أن وصفه بالخلود يدلُّ على نفي التنغيص قول امرئ القيس:
  وهل يعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم لا يبيت بأوجال
  وقول الآخر:
  أشد الغم عندي في سرور ... تيقنَ عنه صاحبه انتقالا
  وقد قيل: إن الأمة مجمعة على أنه لا تنغيص في الجنة،
(١) هكذا في الأصل، ولعل الصواب (أولا يمكن المثيب ... نخ) والله أعلم.