المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
  فإن قيل: إذا كانت المزية هي الصفة فكيف يستحقها المتصف بها، هل بالفاعل أو المعنى أو بغيرهما عند القائل بها؟
  قيل: بل يستحقها لمعنى، وذلك أن المعلوم أنها حصلت مع الجواز لا مع الوجوب، فلا بد من مؤثر فيها، وليس إلا معنى. كما سبق في الكاينية، سواء سواء؛ وتحريره هنا أن الواحد منا حصل مريداً مع جواز أن لا يحصل، والحال واحدة وهي الحياة، والشرط واحد وهو البنية، فلا بد من أمر لأجله حصل على هذه الصفة، وإلا لم يكن بالحصول عليها أولي من خلافه، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى، وهو الإرادة والكراهة.
تنبيه آخر [إلى العلم بصفة الإرادة]
  اعلم أن الطريق إلى العلم بهذه الصفة وثبوتها في حق من اختص بها تكون من وجهين:
  أحدهما: أن العالم بما يفعله إذا كان فعله مقصوداً في نفسه ولم يمنع من إرادته، فإن الذي يدعوه إلى فعله يدعوه إلى إرادته، وذلك ضروري في الشاهد، فإن الداعي إلى الأكل يدعو إلى الإرادة، واعتبروا العلم؛ لأن الساهي ونحوه يستحيل(١) منه الإرادة، واعتبروا أن يكون الفعل مقصوداً في نفسه؛ احترازا عما لا يفعل إلا ابتغاء لغيره، كالألم الحاصل عند الفصد، أو لا يقع إلا على وجه واحد كالإرادة،
(١) لأن المريد لا يريد إلا ما علم، أو اعتقد صحة حدوثه، أو ظن ذلك أو شك فيه، والساهي لا يتأتى منه شيء من ذلك. تمت مؤلف.