المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
  وأما القائلون بأنه مريد بإرادة محدثة فقد تضمن الجواب عليهم ما احتج به الأئمة $، وقد حققناه في الموضع الثاني، وأقوى ما يبطل به قولهم أن نقول: أنتم موافقون لنا في أنه تعالى منزه عن صفة المخلوقين، وكلامكم يتضمن وصفه تعالى بالأعراض، وفي ذلك تشبيه بخلقه جلَّ وعلا، وكل قول يؤدي إلى ذلك فإنه يجب الحكم ببطلانه.
  ووجه آخر وهو: أنه لا دليل لهم على ذلك إلا أنه قد بطل أن يكون مريداً لذاته أو لمعنى قديم، فتعين أن يكون مريداً بإرادة محدثة، كما مرَّ تقريرهَ، وهذا ضعيف؛ لأنه لا يتعين ذلك إلا إذا ثبت أن هذه الصفة ثابتة له تعالى على الحقيقة، وأنه لا بد في ثبوتها له من مؤثر، ونحن ننازعهم في ذلك ونقول: لا نسلم ثبوتها له تعالى على الحقيقة كما مرَّ عن الأئمة، ولو سلم كما يفهم من كلام الهادي # فلا نسلم أنه لا يوصف بذلك حقيقة إلا المؤثر، لِمَّ لا يجوز أن يوصف بذلك لأنه فعل المراد وأوجده؛ وعلى الجملة، إن القول بهذا المعنى المحدث في حق الباري تعالى مما لا دليل عليه، لا سيما مع ما يلزم عليه من التشبيه، وما لا دليل عليه في مثل هذه المسألة فإنه يجب القطع بنفيه.
  فإن قيل: ما تريدون بقولكم: لا دليل عليه؟ أفي معلومكم أمْ في نفس الأمر؟ إن أردتم الأول لم يصح؛ لأنه لا يلزم بطلان ما لم تعلموه، وإلا لزم فيما لا نعلمه أن يقطع ببطلانه، ويلزم مثل ذلك في الملحد إذا لم يعلم الصانع أن يلزم بطلانه، وإن أردتم الثاني فهو دعوى مجردة لا دليل عليها.