تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قيل: أردنا الثاني وهو أنه لا دليل عليه في نفس الأمر.
  قولكم: دعوى مجردة.
  قلنا: بل صحيحة، وذلك لأمرين:
  أحدهما: أنا قد عرفنا دليلكم الذي أوجبتم لأجله ثبوت هذا المعنى، وهو قولكم: لا يخلو إما أن يستحق هذه الصفة لذاته أو لمعنى قديم إلى آخر ما ذكرتم، ثم أبطلتم الأقسام كلها إلا المعنى المحدث الذي زعمتموه، وادعيتم أن هذه القسمة حاصرة، ونحن لا نسلم صحة هذه القسمة، ولا كونها حاصرة، فإنكم تركتم قسماً محتملاً، بل هو الصحيح، وهو كونه مريداً لا لذاته ولا لغيره، ودليل صحته أن غيره من الأقسام إما متفق على بطلانه، وإما أن القول به يؤدي إلى محالات من تشبيه أو غيره كما مرَّ؛ فصح أن دليلكم غير دليل، وثبت قولنا: لا دليل على ما ذهبتم إليه(١).
  والثاني: ومما يبطل قولكم: أنه ألجأكم إلى القول بأن الله سبحانه خلق الإرادة ولم يردها، وهذا باطل قطعاً، ودليل بطلانه ما ذكره السيد حميدان، وهو ما يعلمه كل عاقل من أن الفاعل لما لا يريد لا يخلو من أن يكون زائل العقل أو ساهياً أو ملجئاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
  فإن زعموا أن الدليل أدّاهم إلى ذلك فيه سبحانه خاصة،
(١) وهو المعنى المحدث. تمت مؤلف.