تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  فالجواب أنه إذا لم يجز أن يؤدي الدليل إلى إثباته في المخلوق فبأن لا يؤدي إلى إثباته في الباري تعالى أولي.
  وفي (الأساس): أن إثبات إرادته تعالى معنى يستلزم ثلاثة محالات:
  الأول: الحاجة إلى ذلك المعنى عند فعل ما يريد؛ لأنه يلزم أن لا يفعل تعالى فعلاً إلا بعد أن يوجد ذلك المعنى؛ لأنه لا يفعل مالا يريد.
  ثانيها: أنه يستلزم العبث ونحوه حيث أوجد ما لا يريد، وهو ذلك المعنى؛ لأن إيجاد ما لا يراد عبث.
  ثالثها: إثبات عرض لا في محل، والمعلوم ضرورة أن ذلك لا يصح، وكل ما أدى إلى هذه المحالات ونحوها فإنه يجب القطع ببطلانه؛ لأن ما أدَّى إلى الباطل فهو باطل؛ فثبت أن دليلكم هذا غير دليل، وإنما هو شبهة؛ إذ لو كان دليلاً لأوصل إلى المطلوب، ولما لزم على القول بمدلوله ما لزم. وعند هذا كان لنا إطلاق القول بأنه لا دليل على ما ذهبتم إليه، وما لا دليل عليه وجب نفيه والقطع ببطلانه، كما قررناه في المقدمة في المسألة الخامسة منها.
  فإن قيل: لو سلمنا بطلان هذا الدليل فما يؤمنكم أن ثَمَّ دليلاً غيره يدل على ما ذهبنا إليه؟ ولا يلزم من عدم العلم به عدمه في نفس الأمر.
  قيل: لم نجد لكم دليلاً غير ما حكيناه عنكم، ولو كان لم يجز خفاؤه في مثل هذه المسألة، وقد أوضحنا في المقدمة ما يجب القطع بنفيه مما لا دليل عليه، وما لا يجب فيه ذلك إلا بعد البحث،