مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2444 - الجزء 4

  فارجع إلى ما هنالك تعرف الحال فيما نحن فيه؛ ونزيدك هنا بياناً وتوضيحاً وشرحاً لما قد قررناه هنالك فنقول:

  اعلم أن ما لا نعلم ثبوته أو نفيه ولا نظنه على ثلاثة أنواع:

  الأول: أن نعلم أنه لو كان ثابتاً لكان إليه طريق قطعاً، فهذا لا نقطع بنفيه، بل يجوز ثبوته، وإن كان لا طريق إليه في الحال، وذلك نحو تجويزنا ثبوت لون أو طعم أو رائحة غير ما نعرفه من ذلك؛ إذ يجوز ثبوتها في غير حضرتنا ونحن لا نعلمها، فهذه لا نقطع بانتفائها؛ إذ لا طريق إلى القطع بذلك لخفاء أكثر المعلومات عنّا. والحاصل أن كل ما يجوز فيه أن يكون مقدورا لله تعالى فلا نقطع بانتفائه.

  الثاني: أن يكون مما لو جوزنا ثبوته لعلمنا إمكان الطريق إليه، فهذا لا نقطع بنفيه أيضاً إلا لدليل وذلك كثاني القديم تعالى قبل الاستدلال على استحالته فليس لنا القطع بنفيه استناداً إلى عدم الطريق إليه؛ لأنه لا طريق لنا إلى إثبات الفاعل إلا فعله، ومن الجائز أن لا نختار فعل ما يدل على وجوده، لكنا نعلم أنه لو كان ثابتاً لأمكن الطريق إلى معرفته، فهذا النوع كالأول في تجويز ثبوته إلا لدليل على استحالته غير مجرد انتفاء الطريق إليه؛ ولذا عدل المحققون إلى الاستدلال على نفي ثاني القديم تعالى باستحالته كما مرَّ، وعابوا على من استدل علي نفيه بأنه لا طريق إليه، وكل ما لا دليل عليه وجب نفيه.

  النوع الثالث: أن يكون مما إذا جوزنا ثبوته لم يكن لنا طريق إلى القطع بثبوت طريق إليه، ولا إلى إمكان معرفته بالنظر، فهذا هو الذي