تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  أنه قال: «إن الله تعالى إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه» وإنما يرى الأثر في الملبس ونحوه، وهو مباح.
  والجواب: أنه صار مراداً لنية إظهار نعمة الله، فيصير مندوباً، لا لمجرد التلذذ.
  الوجه الرابع ذكره في (الغياصة) وهو: أن إرادة المباح(١) أكمل في التفضل، فما جاز لأجله إرادة إحداث الفعل جاز لأجله إرادة تناولهم(٢)؛ ثم أورد سؤالًا وهو أن الله تعالى قد رغبنا في ترك المباح وزهدنا في تناوله، فكيف يريده؟ وأجاب بأن الوجه الذي لأجله رغبنا في تركه غير الوجه الذي أراد منّا تناوله لأجله، فوجه الترغيب في الترك التقرب إليه بترك زينة الدنيا، ووجه إرادة التناول كمال النعمة والتفضل.
  والجواب أن المعتبر في الأكمليةِ أن يكون المباح إحساناً إلى الغير، وإنعاماً عليه، كما مرَّ في {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] وفي جواب الشبهة الثانية من الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧]، وإنما اعتبر ذلك فيه لئلا يكون إيجاده قبيحاً، وقد ذكرنا في جواب الشبهة المذكورة أن إرادة الانتفاع لو كانت معتبرة للزم أن يثاب عليه، وأنه لا وجه لاشتراط ذلك إلا لو كان وقوع الانتفاع شرطاً في الإحسانية، والمعلوم أنه ليس بشرط فيها، فإن من مكن غيره من منفعة حسنة وقصد ذلك التمكين فقد أكمل في الإحسان، وأتم التفضل
(١) أي إرادة فعلنا له وتناوله. تمت مؤلف.
(٢) هكذا في الأصل، ولعلها (تناوله).