مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2469 - الجزء 4

  من حاله من إرادة القبيح من الفساد في الأرض، وانتهاك حرم المسلمين، وظلمهم، وغير ذلك، ولا وجه لقبحها إلا كونها إرادة للقبيح، بدليل أنا متى علمناها كذلك علمنا قبحها، ومتى لا فلا كالظلم، فيجب فيما يشاركها في كونه إرادة للقبيح أن يكون قبيحاً؛ لأن إيجاب العلل لا تختلف باختلاف الفاعلين.

  وأما أنه تعالى لا يفعل القبيح فقد مرَّ الاستدلال عليه في السابعة من مسائل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢}⁣[الفاتحة].

  فإن قيل: هذا مبني على أن إرادة الله تعالى معنى محدث، ونحن لا نسلم ذلك.

  قيل: لا نسلم أنه مبني على ذلك، بل مبني على أنه لا يفعل القبيح، وذلك أعم من أن تكون الإرادة معنى محدثاً أو نفس المراد، سلمنا، فقد ذكرنا من الدليل على ذلك بما مثله يثبت المطلوب.

  فإن قيل: يلزم على هذا أن تكون القدرة على القبيح قبيحة؛ لأنها تؤثر فيه.

  قيل: بل بينهما فرق، وهو أن تأثير القدرة على سبيل الصحة، بخلاف تأثير الإرادة. فإن قيل: أنتم تقولون: إن إرادة الحسن تنقسم إلى حسنة وقبيحة، ولهذا قلتم: إن المستحق للعقاب يقبح منه أن يريد عقاب نفسه، فهلاّ قلتم في إرادة القبيح كذلك، فتقبح منا، وتحسن من الباري تعالى؟

  قيل: إنما انقسمت إرادة الحسن إلى ذلك؛ لأنها لا تحسن بكونها