تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  إرادة للحسن بل لذلك على شرط كما مرَّ في أول الفصل، بخلاف في إرادة القبيح فإنها إنما قبحت لكونها تلك الإرادة كما مرَّ فلم تتأت فيها القسمة.
  فإن قيل: إذا كانت إرادة القبيح قبيحة كلها، فيجب في إرادة الحسن أن تكون حسنة كلها؛ لأنها في طرفي نقيض.
  قيل: لا نسلم أنهما في طرفي نقيض، وإنما هما خلافان بلما علم من قبح الكذب على كل حال، وقبح تكليف ما لا يطاق كذلك، وخلافهما اللذين هما الصدق وتكليف ما يطاق لم يحسنا على كل حال؛ أما تكليف ما يطاق فظاهر، فإن تكليف الإنسان بنقل حجر يطيقها من موضع إلى آخر إذا لم يكن فيه نفع لأحد لا يحسن، بل يقبح، وأما الصدق فإنه إذا تضمن الدلالة على نبي ليقتل فإنه يقبح لا محالة.
  الحجة الثانية: أنه لو كان مريداً للقبائح لكان حاصلاً على صفة نقص؛ فإن من علمنا من حاله في الشاهد أنه يريد من زوجاته وأولاده وعبيده الزنا، والسرق، وقطع السبيل، فإنا نقطع بأنه حاصل على صفة النقص يذمه عليها كل عاقل، ولا وجه لذلك إلا كونه مريدًا للقبائح، فيجب في الباري تعالى مثله لثبوت العلة الجامعة.
  فإن قيل: إنما كان الواحد منا كذلك؛ لأنه مريد بإرادة محدثة، بخلاف الباري تعالى فإنه مريد لذاته.
  قيل: لا نسلم؛ سلمنا، فصفات النقص لا يفترق الحال فيها