تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  الحجة الخامسة: غاية ما تعلم به كراهة الشيء النهي عنه، والباري تعالى قد نهى عن القبائح، وأكد ذلك بالزجر البالغ، والوعيد بالعذاب الشديد، وأمر بخلافها ووعد عليه بالثواب العظيم، فلو أرادها لم يكن منه شيء من ذلك كله؛ لقبح النهي عن المراد؛ ألا ترى أن العاقل في الشاهد لو فعل ذلك لسخر منه واستهزئ به، ولا وجه لذلك إلا كونه نهي عما يحبه ويريده، فإذا لم يجز ذلك منا فهو بعدم الجواز من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين أولي، مع أنه لو نهى عنها مع كونه مريدا لوقوعها لكان حاصلاً على صفتين متضادتين؛ لأن النهي يدل على الكراهة ولا يصير نهياً إلا بها، والإرادة لوقوعها تنافي ذلك وتضادده.
  الحجة السادسة: أنه لو أرادها لوجب أن يكون العبد مطيعاً لله بفعلها؛ لما مرَّ من أن المطيع من فعل ما يريده المطاع.
  الحجة السابعة: إذا كان الله مريداً للقبائح، وكان الشيطان مريداً لها أيضاً، والأنبياء # لا يريدون من العباد إلا الطاعات فقط، ويكرهون المعاصي كلها، فقد تطابقت إرادة الله تعالى وإرادة الشيطان، وكانت إرادة الأنبياء الك مخالفة لإرادة الله، وصاروا موصوفين بأنهم يكرهون ما أراد الله تعالى وقوعه، فيلزم أن يكونوا عاصين لله تعالى غير مطيعين له بمخالفتهم لله تعالى في الإرادة، وكراهتهم ما أراده؛ والمعلوم خلاف ذلك.
  الحجة الثامنة: ما في القرآن الكريم من نفي إرادة الظلم ونحوه عن نفسه، وكراهة السيئات والقبائح، وسيأتي ذلك كله والكلام عليه مفصلاً إن شاء الله.