المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
  والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا القياس لا يصح على أصلكم؛ لأنكم تمنعون قياس الغائب على الشاهد، كما مرَّ في السابعة من مسائل الحمد للهً.
  ثانيها: أن الذي يدل على العجز إنما هو ما أراده من فعل نفسه، أو من فعل غيره على طريق الحتم والإكراه ثم لم يقع، وأما ما أراده من فعل غيره على جهة الاختيار من العبد فلا نسلم أن عدم وقوعه يدل على عجزه من إيجاد وقوعه؛ وتحقيق ذلك أن ما يريده الله لا يخلو إما أن يكون من فعل نفسه، أو من فعل غيره، إن كان الأول فلا شكَّ أن عدم وقوعه دليل على العجز والضعف؛ لأن من حق القادر على الشيء إذا خلص(١) داعيه إليه أن يقع لا محالة، وإلا خرج عن كونه قادراً عليه، وإن كان الثاني فإما أن يريده على طريق الإكراه والحمل على وقوعه، أو على طريق اختيار فاعله، إن كان الأول فعدم وقوعه دليل على عجزه عن السبب الذي يتوصل به إلى الإكراه والحمل على الفعل، وإن كان الثاني فلا؛ لأن المرجع بالعجز إلى زوال القدرة، وليس عدم وقوع الفعل من الفاعل المختار يدل على عجز من يريد منه ذلك، بل ولا يدل على عجز الفاعل نفسه مع عدم خلوص الداعي؛ وهكذا يقال فيما قالوه في الملك إذا لم يكن له فيفعل رعيته نفع ولا عليه من تركه ضرر، كأن يريد منهم طاعة الله ليفوزوا بثوابه ويسلموا من عقابه، وهذا حال الباري تعالى في إرادته لوقوع الطاعة من عباده، فإنه لا نفع ولا ضرر عائد عليه، وإنما ذلك
(١) معنى خلوص الداعي أن لا يريد عدم وقوعه ولا يختاره. تمت مؤلف.