مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2475 - الجزء 4

  عائد إليهم فقط، ولذلك نظائره فإن النبي ÷ يريد إيمان الكفار وطاعتهم، ولا يدل عدم إيمانهم على عجزه، وكذلك المسلمون إذا أرادوا من اليهود دخولهم في الإسلام وترك المضي إلى الكنائس باختيارهم ثم لم يقع شيء من ذلك فإنه لا يدل على عجزهم.

  ثالثها: أنه قياس مع وجود الفارق؛ فإن عدم وقوع ما يريده الملك إنما يدل على عجزه؛ لأن له فيه نفعاً من حيث أنه يتقوى به بخلاف الباري تعالى لاستحالة المنافع والمضار عليه.

  رابعها: أنه لا قياس إلا بعلة جامعة. وهي مفقودة هنا، وما ذكره ليس بعلة؛ وبيان ذلك أن الأمر عندنا لا يكون إلا بما يريد الآمر، ونحن متفقون نحن وأنتم على أن الله تعالى قد أمرنا بالطاعة ثم لم يقع مراده، والمعلوم عندنا وعندكم أن ذلك لا يدل على عجزه وضعفه، وهذا بخلاف الملك، فإنه لو أمر جنده بأمر لم يقع ما أمر به لكان أدخل في الدلالة على عجزه من أن يريد منهم ذلك الأمر ثم لم يقع، فصح أن عدم وقوع المراد ليس دليلاً على العجز، ولا علةَ له، وإلا لكانت مطردة.

  فإن قيل: إنما لم يدل عدم وقوع المأمور به على العجز في حق الباري تعالى؛ لأنه قد يأمر بما لا يريد، بخلاف الواحد منا فإنه لا يأمر إلا بما يريد، فلهذا دلَّ ذلك على العجز إن لم يقع ما أمر به؛ وأنتم إنما أبطلتم هذا القياس؛ لأنكم بنيتم على غير أساس وهو اعتقادكم الفاسد أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يريد، وقد أوضحنا لكم الفرق بين الموضعين.