مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2476 - الجزء 4

  قيل: هذا فرق من غير فارق، وقول عن منهج الحق مارق، بل الصحيح الواضح بالدليل الصريح أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يريد، وقد مرَّ في الموضع الأول أنه لا دليل على كونه تعالى مريداً إلا وقوع أفعاله على الوجوه المختلفة، ومن ذلك صيغة افعل، فإنها تكون أمراً وتهديداً، ولا فرق بينهما إلا من حيث الإرادة والكراهة، ومثاله أن يقول الرجل لغلامه: ناولني الثوب. وكان بين يديه إناء يخاف أن يكسره فيقول: واكسر الإناء، فإنا نعلم أن الصيغة أمر⁣(⁣١)، والثانية تهديد، ولا فرق بينهما إلا أنه مريد لما تعلقت به الأولى من مناولة الثوب، وكاره لما تعلقت به الثانية، ولولا الإرادة لم يكن بين قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}⁣[الأنعام: ٧٢]، وقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢] وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} الآية [الإسراء: ٦٤] فرق؛ لاتحاد الصيغة، والمعلوم أنها في الأول أمر، وفي الثاني إباحة، وفي الثالث تهديد، وليس الوجه في ذلك إلا كونه مريداً لبعض، وكارهاً لبعض، ومبيحا لبعض.

  قالوا: قد أمر الله تعالى بما لا يريد، كما في أمر إبراهيم بذبح ولده، ثم نهاه عنه، ولو أراده لم ينهه.

  قلنا: لا تعلق لكم بالظاهر؛ لأن ظاهره إنما يقتضي أنه رأى في المنام أنه يذبحه، فمن أين أن ذلك أمر من الله تعالى، فإذا بطل التعلق بالظاهر ورجع إلى التأويل فلستم بأولى منا، فنقول: أراد بالذبح مقدماته من الإضجاع ونحوه، وصح ذلك لقرب المقدمات من الذبح


(١) يعني الصيغة الأولى، وهي قوله: (ناولني).