مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2478 - الجزء 4

  يراجع فإن راجع تعلقت المصلحة برد الأمر إلى الخمس، ومثل ذلك صحيح، ولولا هو لما حسن الدعاء.

  قالوا: قد يوجد في الشاهد أن الحكيم يأمر بما لا يريد، كلو شكا رجل إلى السلطان معصية غلامه فأحضره عند الملك وأمره بأمر ليصدق شكواه، فإن المعلوم أنه لا يريد ما تناولته الصيغة؛ لأنه يعود على غرضه بالنقض.

  قلنا: مثل هذا ليس أمراً حقيقة لعدم الإرادة.

  وبعد، فإن قولكم هذا لا يتأتى إلا على مذهبكم الفاسد، وهو أنه لا يقبح من الله قبيح؛ لأن عندكم أنه وإن كان أمره بما لا يريد يصير عبثاً فهو لا يقبح من الله .

  وأما على مذهب أهل العدل الذي قام دليله، واستنار سبيله، فلا يصح ذلك بلما مرَّ من أن الفاعل لما لا يريد يكون سفيهاً عابثاً إذا كان فعله مقصوداً لذاته، ولا ريب أن أمر الباري المتوجه إلى عبيده لا يكون إلا مراداً مقصوداً لذاته، وإلا لما وجب امتثاله، وكان كأمر الساهي والنائم لعبيده تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ثم إنا نقول: ألستم تقولون: إن الأمر يدل على الطلب، والطلب عندكم غير الإرادة، وتقولون: إن ذلك الطلب قائم بذات الباري، فنحن نلزمكم في هذا الطلب الذي لا يجوز أن يتعرى الأمر منه بمثل ما قلتم في الإرادة من جواز تعري الأمر منها؛ لأن الحال فيهما واحد.