مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]

صفحة 2479 - الجزء 4

الشبهة الثالثة [فعل القبائح]

  إن الله تعالى فاعل للقبائح وخالق لها، فيجب أن يكون مريداً لها؛ لأن العالم بما يفعله لا بد من أن يريده، دليله الشاهد.

  والجواب من وجوه:

  أحدها: أَن شبهتكم هذه متناقضة، فإنكم بنيتم أولها على أنه فاعل القبائح، ثم نقضتم ذلك بإثبات فعلها للشاهد، وأقستم الغائب عليه، وهذه مناقضة ظاهرة لا يصح الاستناد إلى هذه الشبهة معها.

  الثاني: أنا لا نسلم أنه فاعل القبائح، وحاشاه من ذلك، بل ولا فاعل لغيرها من أفعال خلقه، وقد أبطلنا دعواكم هذه في مواضع من كتابنا هذا.

  الثالث: أنا نطالبكم ببيان العلة الجامعة بين الشاهد والغائب في هذا القياس.

  فإن قلتم: هي كون العالم بفعله لا بُدَّ من أن يريده؛ إذ لا علة لوجوب إرادة الواحد منا لفعله إلا كونه عالماً به، وهذه العلة موجودة في الغائب.

  قلنا: لا نسلم أن العلة ما ذكرتم، وإلا لوجب اطرادها، وقد مرَّ أَن الواحد منا يفعل الإرادة والكراهة، ولا يجب أن يريدهما وإن علمهما؛ سلمنا، فلا نسلم أن القبائح فعله.

  فإن قيل: لو ثبت أنه غير فاعل لها فقد ثبت أنه عالم بها وقادر على المنع منها، وذلك يدلُّ على أنه مريد لها وإلا لمنع منها.