مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]

صفحة 2493 - الجزء 4

  فقال: رضيت قسراً، والمقسور ليس بمريد لما قسر عليه، بل تارك للاعتراض، ويقول الواحد منَّا: أحب جاريتي، ولا يقول: أريدها.

  الثاني: أن الصائم العاطش يحب شرب الماء للطبيعة ولا يريده.

  والجواب: أن ابن دريد ليس من العرب العرباء، بل من الأدنى فلا حجة في شعره، فلا نسلم أن القسر يمنع الإرادة، فإن الإنسان قد يريد فعل ما أكره عليه لينجو؛ سلمنا فالمعلوم أن الرضا بمعنى الإرادة ظاهر في اللغة كما يقال: رضيت هذا الشيء، ورضيت البيع والنكاح، أي أردته؛ إذ لا يحتمل هنا ترك الاعتراض، ولا يكفي⁣(⁣١) في تنفيذ ذلك، بل لا بد من الإرادة، فإن استعمل في ترك الاعتراض فمجاز؛ لأن الغالب فيمن ترك الاعتراض في شيء أنه مريد له، لا سيما إذا كان لهبه تعلق.

  وأما المثال فالمحبة فيه بمعنى الشهوة، وهو استعمال مجازي؛ لأن الغالب فيمن اشتهى شيئاً أن يكون مريداً له، سيما حيث لم يكن فيه قبح، وقال أبو علي: هو مِن مجاز الحذف أي أحب الاستمتاع⁣(⁣٢) بجاريتي، فتكون المحبة بمعنى الإرادة حقيقة، وهكذا يقال في محبة الصائم للماء، يعني أن المحبة بمعنى الشهوة، وإنما حملناها على ذلك؛ لأن استعمال المحبة بمعنى الإرادة ظاهرٍ شائع في اللغة، ولا يحتمل قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}⁣[المائدة: ٥٤] غير الإرادة، لاستحالة الشهوة عليه تعالى، أي يريد إثابتهم، ويريدون طاعته،


(١) أي ترك الاعتراض، تمت مؤلف.

(٢) أو أريد الانتفاع بها. تمت مؤلف.