مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2511 - الجزء 4

  واعلم أن الرازي قد أجاب عما ذكرناه من التأويل للآية إجمالاً وتفصيلاً، فأما التفصيل فقد ذكرناه وأجبنا عليه، وأما الإجمال فمن وجوه:

  أحدها: مسألة الداعي والمرجح، وهي أن القادر على العلم والجهل والهدى والضلال لِمَ فعل هذا دون الآخر؟. ومقصوده أنه لا بد أن ينتهي الأمر إلى داعٍ موجب يخلقه الله في العبد كما مر تحقيق مذهبه في ذلك.

  الثاني: مسألة العلم كما مرَّ في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧] وقد قرر هنالك أنه لو وقع من العبد خلاف ما علمه الله منه لانقلب علم الله جهلاً.

  الثالث: أَن فعل العبد لو كان بإيجاده لما حصل إلا ما يريد، والمعلوم خلافه، فإن كل أحد لا يريد إلا العلم والاهتداء، ولا يحصل له إلا الجهل والضلال.

  فإن قلتم: سبب ذلك أنه اشتبه عليه العلم والهدى بالجهل والضلال، فظن الجهل علماً، والضلال هديً فقصدهما.

  قلنا: ذلك الظن خطأ، فإن اختاره أَوَّلاً فقد اختار الجهل، وذلك غير ممكن⁣(⁣١)، وإن اشتبه عليه ذلك بسبب ظن متقدم لزم أن يكون قبل كل ظَنِّ ظَنِّ، إلى ما لا نهاية له، وهو محال.


(١) لأن الفرض أنه لا يختار إلا بعد اشتباه العلم بالجهل، تمت مؤلف.