تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  ولنذكر للمرجئة في هذا الموضع شبهتين، إحداهما: عقلية، والأخرى سمعية:
  أما الأولى فقالوا: قد علمنا أن الفاسق يجري عليه طرف من أحكام الإيمان وهو التوارث والتناكح ونحوهما، وطرف من أحكامٍ غير المؤمنين وهو التبري واللعن ونحوهما، فيجب أن يكون موصوفا بهما جميعاً، وفي ذلك تسميته مؤمناً وهو مطلوبنا.
  والجواب: أنه لا يتم ما ذكرتم إلا لو كان تسمية المؤمن مؤمناً لإجراء بعض أحكام الإيمان عليه؛ لأنه لم يسم لأجل ذلك، بل لإتيانه بالواجب واجتنابه المحرم، والفاسق ليس كذلك.
  وأما الشبهة السمعية فقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ...} الآية [الأنعام: ٨٢].
  قالوا: فأوضح تعالى أن الظلم قد يختلط بالإيمان، والظلم فسق فيصح كون الشخص الواحد مؤمناً، فاسقاً، وهذا عين مطلوبنا.
  والجواب: أن الآية إنما تدل على صحة اجتماع الإيمان اللغوي وفعل الظلم، ونحن لا ننكر ذلك؛ لأن الله تعالى قد أثبت الإيمان اللغوي مع الشرك في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ١٠٦}[يوسف] وإنما ننكر اتصاف الظالم بالإيمان الشرعي، وفي التحقيق أنهم بنوا مذهبهم على أن الإيمان باقٍ على معناه اللغوي، وقد أبطلناه فيما مرَّ؛ وأيضًا لو كان باقياً على المعنى اللغوي للزم اجتماعه مع الشرك، فيوصف الشخص الواحد بأنه مؤمن ومشرك، وهم لا يقولون به.