مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2542 - الجزء 4

  قيل: بل يصح ذلك؛ لأنهم وإن أجروها مجرى الشكر في بعض الوجوه فقد فرقوا بينها وبينه من ستة أوجه، وقد ذكرناها في ذلك الموضع، على أن عبارتهم وإن أفادت ما ذكرتم من الاعتراف بكون الطاعات شكراً فقد ذكر النجري أن الشكر ضربان؛ عام وهو الاعتراف، وخاص وهو العبادة، والواجب عقلاً إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يجب إلا شرعًا؛ لكونه لطفاً لا لكونه شكراً، والفاسق شاكر بالمعنى الأعم؛ إذ كفر النعمة هو ترك الشكر بالمعنى العام؛ لأنه الذي يوجبه العقل لا غيره.

  وقال الإمام المهدي: المعلوم ضرورة أن الشكر المستحق في مقابلة النعم إنما هو الاعتراف بنعمة المنعم مع وقوع تعظيم حيث يستحقه، وأنه لا يجب على من أنعم عليه منعم أن يكد نفسه في خدمته واتباع مراضيه؛ إذ لو أوجبنا عليه ذلك لجرت النعمة مجرى الأجرة، فيكون ذلك معاوضة لا إنعاماً حقيقياً، وإن لم يقصد المنعم حصول ذلك الغرض مع علمه بوجوبه؛ فحينئذٍ ليس الشكر هو الأعمال ومطابقة رضوان المنعم، وإنما هو الاعتراف على وجه مخصوص، والفاسق لا شك معترف بنعمة الله، معظم لله تعالى، فحينئذٍ لا يجوز وصفه بأنه كافر نعمة.

  قلت: وما ذهب إليه الأكثر من أن الشكر هو الاعتراف هو الذي نص عليه أئمة اللغة كما مرَّ في الثالثة من مسائل (الحمد للهرب العالمين). وقد تضمن هذا الاحتجاج الرد للحجة الأولى