تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  من حجج الأئمة $، ومن أراد معرفة الحق في كون الطاعات شكراً أم لا فليرجع إلى ما حققناه في سياق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: ٢١] فإن الخلاف هنا فرع على الخلاف ثمة.
  هذا وأما سائر ما احتج به الأولون فيمكن الجواب عنه بأن يقال: لا نسلم ما ذكره الهادي من أن علة تسمية المشرك ونحوه كافراً نفي المعصية من حيث أنها معصية، بل من حيث كونها معصية مخصوصة يستحق فاعلها أعظم العقاب في الآخرة، وتجري عليه في الدنيا أحكام مخصوصة من عدم التوارث وغيره مما مرَّ، ولم نجد هذا في الفاسق فلا يصح الإلحاق.
  وأما الآيات، والأخبار، والإجماع المروي عن القدماء $ فذلك كله محمول على ما يقتضيه ظاهر الحال من أن العاصي لا يكون إلا جاحداً للنعمة، وبيانه أن المعصية لله تعالى بمنزلة الإساءة إلى المحسن في الشاهد، والإساءة لا تكاد تصدر ممن هو معترف بالإحسان، وإنما تصدر من المنكر(١) غالباً، فإذا علم واشتهر إحسان المحسن إلى من أساء إليه فإن المسيء يُسمى كافر نعمة، بناء على الغالب؛ إذ الأغلب من حال البشر أن الإحسان يدعو إلى طاعة المحسن، واجتناب معاصيه وإن لم تكن واجبة، وأنه لا يخالفه ويعصيه إلا من لا يعترف بنعمه، فأجري على المسيء الوصف بكفر النعمة نظراً إلى الغالب من استلزام الإساءة إنكار النعمة وجحدها، وإذا وصف به، فالوصف مشروط بوقوع الجحد للنعمة، بحيث لو علم أن المسيء إلى المحسن
(١) أي المنكر للإحسان. تمت مؤلف.