تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  معترف بإحسانه لم تجز تسميته كافر نعمة؛ إذ ليس بكافر بها. لا يقال: إذا أساء إلى المحسن فقد استخف به، ومن حق الشكر أن يصحبه التعظيم، والمستخف بغيره لا يقال إنه معظم له، وإذا انتفى التعظيم فليس بشاكر، فصح وصفه بأنه كافر نعمة. لأنا نقول: ليس كل إساءة استخفاف، بل منها ما هو استخفاف كالشتم ولطم الوجه، ومنها ما ليس كذلك كسرقة شيء من ماله، وقتل بعض عياله؛ فكذلك من يعصي الله واثقاً بعفوه وكرمه، راجياً لثوابه، فإنه غير مستخف بحقه، فلا يصح تسميته كافر نعمة.
  وقيل: إن كلام الأئمة $ محمول على التشبيه؛ وذلك أن العاصي أشبه جاحد النعمة من حيث أنه لم يفعل ما كلف به مما هو كالشكر مع وفور نعم الله عليه؛ ولذلك إن الأئمة التك لم يكونوا يجرون عليهم أحكام الكفار، مع تمكنهم منها. ومع هذا الحمل لا يكون بين العدلية خلاف؛ لأن الظاهر أن الأكثر لا يمنعون إجراء اسم الكافر عليه بهذا المعنى كما تفيده عبارة (الغياصة) إن قيد بما يرفع الوهم، وإلا فالإطلاق يوهم أنه غير معترف ولا مقر.
  قال في (الغياصة): واجتناب ما يوهم الخطأ واجب.
  وأقول: لا ملجئ إلى تأويل كلام الأئمة $، ولا إلى حمل أدلتهم على الغالب، ولقد أجاد الهادي # فيما حكيناه عنه في الحجة الثانية، وما قيل في جوابها من أنه ليس العلة في تسمية المشرك ونحوه كفاراً مطلق المعصية دعوى لا دليل عليها.