تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  والحق أن الكفر من الحقائق الشرعية، فمن حكم عليه الشرع بالكفر وسماه كافراً أجرينا عليه ما أجراه عليه الشارع من حكم واسم، ولا نسلم أنه لا يسمى كافراً إلا من اختص بأحكام مخصوصة من عدم التوارث، والتناكح ونحوهما، بل هو أنواع منه ما ينافي إجراء أحكام المسلمين عليه، ومنه ما لا ينافيها، كما يدل عليه ما مرّ من قول علي #: (لكنهم كفروا بالأحكام، و كفروا بالنعم والأعمال غير كفر الشرك) وقد أجرى النبي ÷ على المنافقين أحكام المسلمين.
  قال في (الغياصة): المعلوم من أحكام المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليهم وسلم على حقن دمائهم وأموالهم، وهم في ذلك يشبهون أهل الملة، فأما عقاب الآخرة فيقرب أن عقابهم أعظم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[النساء: ١٤٥]. ولا متمسك للأكثر أعظم من قولهم: إن الكفر هو الجحد فقط، وهو متمسك ضعيف، لما ثبت من أن الكفر هو عدم الشكر، وأن الطاعات من الشكر باعترافهم، ودعواهم أنه لا يجب عقلاً إلا الاعتراف دون الامتثال للأمر والنهي دعوى مجردة عن الدليل، وقد مرَّ في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} إقامة الدليل على وجوب امتثال أمر المالك المنعم عقلا، سلمنا. فقد أوضحنا بما ذكرناه من الأدلة الشرعية كتاباً وسنة أن الكفر من الحقائق الشرعية، والأحاديث النبوية في ذلك لا يبعد تواترها معني، وكلها دالة علي أن ارتكاب كبائر العصيان، من ترك واجب، أو ارتكاب محظور من الكفر، سواء كان مرتكبها جاحداً أم لا، وما أحسن ما قاله الناصر # في (البساط) في تقرير ما ذهب إليه، من أن الكفر هو المخالفة لأمر الله تعالى، ولفظه: واعلم هداك الله أن الشيطان