مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2569 - الجزء 4

  فرع: واختلف القائلون بأن للأمر بكونه أمراً صفة تميزه عن غيره، في تعيين المؤثر في تلك الصفة. فقالت البصرية: المؤثر فيها إرادة المأمور به، ورواه الدواري عن جمهور الزيدية. وإنما نسب التأثير إلى الإرادة المذكورة؛ لأنه لو لم يرد المأمور به لم يطلبه بالصيغة المخصوصة، فكانت هي المؤثرة في إيقاع هذه الصيغة طلباً. فنسب إليها، وإن كان المؤثر حقيقة في إيجاد الصيغة طلباً هي القادرية؛ لأن الإرادة إنما تؤثر فيما تعلقت به. وهي إنما تتعلق بالمطلوب لا بالطلب، لكن لما كانت القادرية لم توقع الصيغة طلباً إلا لأجل إرادة المطلوب، وكانت تلك الإرادة هي التي تصرف تأثير القادرية إلى وجه دون وجه وصفناها بأنها هي المؤثرة، وإن كان التأثير في الحقيقة إنما هو للقادرية.

  وقالت الأشعرية: بل المؤثر إرادة الموجد للصيغة كونها أمراً. وإن لم يرد المأمور به؛ لما زعموه من أنه يصح من الله الأمر بما لا يريده، وقد مر إبطاله في الموضع الخامس من المسألة الرابعة من مسائل هذه الآية. ومما يقال لهم هنا: إن المعلوم ضرورة في الشاهد أنا لا نعقل كون الصيغة أمراً إلا إذا علمنا أن موردها أراد ما تناولته، وإذا لم تعتبر هذه الإرادة لزم أن تكون الصيغة أمراً وإن كره المأمور به. إذا كان قد أراد كونها أمراً، وأنتم لا تقولون بهذا.

  فإن قيل: أما مع الكراهة فلا يصح كونها أمراً؛ لما بينهما من التدافع.

  قيل: إذا جوزتم أن يكون أمراً وإن لم يرد المأمور به فلا تدافع؛ لأنه لا فرق بين أن يكون مريداً له⁣(⁣١) أو كارها له، فلا وجه لما تزعمون.


(١) أي للمأمور به. تمت مؤلف.