تفسير قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون 28}
  الثاني: أنه لو كان له مكان لكان بعض الأماكن منه خالياً، وإذا كان كذلك كان لما يحدث في الخالي منه جاهلاً، والمعلوم أنه بكل شيء عليم، فوجب القطع بنفي المكان والانتقال عنه؛ لأنه يؤدي إلى ماعلم بطلانه(١)، وما أدَّى إلى الباطل فهو باطل.
  فإن قيل: ألستم تقولون إن علمه هو ذاته، أو إنه عالم لذاته وذاته مع جميع المعلومات على سواء، فكيف يخفى عليه شيء أو يجهله؟!
  قيل: بل نحن نقول بذلك؛ لكن المعلوم أن كل محتجب عن غيره أو غائب عنه فإنه لا يعلمه على التفصيل، بل قد لا يعلمه أصلاً، ولا فرق بين العالم لذاته وغيره، ولذا قال أمير المؤمنين #: (فاستفتحوه واستنجحوه، واطلبوا إليه واستمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب، وإنه لبكل مكان، وفي كل حين وأوان، ومع كل إنسان وجان). رواه في (النهج)، وهو نص في أن اختصاصه بمكان، أو احتجابه بحجاب، أو غيبته خلف الأبواب مظنة حرمان الطلاب، وما ذلك إلا لما علم من أن الغائب قد لا يعلم بحال من غاب عنه؛ ولهذا عقبه بقوله: (وإنه لبكل مكان)، وقد احتج بهذا الوجه أمير المؤمنين # فقال: (ومن قال عَلاَمَ فقد أخلى منه). رواه في (النهج)، أي من قال هو على العرش والكرسي فقد أخلى منه غير ذلك الموضع؛ لكن ابن أبي الحديد وجه الاحتجاج به على غير ما ذكرنا من لزوم الجهل، بل قال: إن أهل هذه المقالة يمتنعون من القول بخلو سائر المواضع عنه، ومراده # إظهار تناقض أقوالهم.
(١) وهو جهل الباري تعالى. تمت مؤلف.