مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون 28}

صفحة 2653 - الجزء 4

  محتوياً عليه، ولا يكون حاصلاً في جهة خارج الفلك، ولو كانت القضيتان متناقضتين لما استقام ذلك، وهذا كما نقول: زيد في الدار، زيد في المسجد، فإن هاتين القضيتين ليستا متناقضتين لجواز أن لا يكون زيد في الدار ولا في المسجد، فإن هاتين ولو تناقضتا لاستحالة الخروج عن النقيضين، لكن المتناقض زيد في الدار زيد ليس في الدار. قال: والذي يستشنعه العوام من قولنا: الباري لا داخل في العالم ولا خارج العالم - غلط مبني على اعتقادهم تصور أن القضيتين تتناقضان، وإذا فهم ما ذكرناه بأنه ليس هذا القول بشنيع، بل هو سهل وحق أيضاً. فإنه تعالى لا متحيز ولا حال في المتحيز، من حيث كان واجب الوجود - فإذاً القول بأنه ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج صواب وحق.

  قلت: وحاصله أن القضيتين لا تتناقضان إلا إذا توارد نفي وإثبات على معنى واحد كقولنا: زيد في الدار زيد ليس في الدار، وهاهنا ليس كذلك، بل توارد نفيان على منفيين اثنين: أحدهما نفي كون الباري تعالى حالاً في العالم، والثاني نفي ما ذهب إليه ابن الهيصم وأصحابه من كونه حالاً خارج العالم؛ لأنه تعالى لا يحتاج إلى المحل أصلاً؛ إذ لا يحتاج إليه إلا المتحيز أو الحال في المتحيز، والباري تعالى ليس بمتحيز ولا حالًا في المتحيز، فيكون معنى كلامه # نفي كون الباري تعالى من جنس العالم.

  ولقائل أن يقول: ما المانع من أن يقال: المراد بذلك أنه لا داخل في العالِم بذاته؛ لأن ذاته تعالى منزهة عن الحلول في الأشياء كما مرَّ، ولا خارج عنه بعلمه وتدبيره؛ لأنه العالم بكل شيء،