تفسير قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم 29}
  يؤدي إلى رفع الحكم العقلي وهو تحريم إيلام الحيوان بدليل السمع والأحكام العقلية لا يصح رفعها بنسخ ولا غيره.
  قلنا: الأحكام العقلية حاصلة عن علل عقلية، والمستحيل هو رفعها مع بقاء عللها، فأما مع ارتفاع عللها فهو صحيح، بل واجب؛ إذ يلزم من ارتفاع المؤثر ارتفاع الأثر؛ وإيلام الحيوان قبيح عقلاً لكونه ظلما، فإذا أباحها الشرع بنص كآية الأنعام، أو عموم كهذه الآية علم أن اللَّه قد ضمن لها من العوض ما يخرج به الألم عن كونه ظلماً، الذي هو علة القبح؛ فبذلك يرتفع القبح العقلي.
  هذا، وأما قولهم: إن العام المخصوص ليس بحجة فجوابه من وجهين:
  أحدهما: أنا لا نسلم أن هذه الآية مخصوصة، بل هي: باقية على عمومها، بمعنى أن الانتفاع حاصل بكل ما تناولته، وإن اختلفت وجوه النفع.
  قال الزمخشري في معنى {خَلَقَ لَكُمْ}[البقرة: ٢٩]: لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم، أما الانتفاع الدنيوي فظاهر، وأما الديني فالنظر فيه، وما فيه من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم، وما فيه من التذكير بالآخرة، وبثوابها وعقابها؛ لاشتماله على أسباب الأنس واللذة من فنون المطاعم والمشارب والفواكه، والمناكح، والمراكب، والمناظر الحسنة البهية، وعلى أسباب الوحشة والمشقة، من أنواع المكاره كالنيران، والصواعق والسباع، والأحناش،