مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم 29}

صفحة 2725 - الجزء 5

  ولا يلزم من تعليل الفعل بمعظم المقصود منه أن لا يقصد منه غيره أصلاً، ولهذا سكت عن حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير، مع أنه لا ريب في جواز ذلك، سيما على البغال والحمير، واستدل السيد محمد بن الهادي بقوله في الأنعام: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ}⁣[النحل: ٧] على جواز إتعابها بالتحميل للأثقال، والمسير عليها، والعمل، وذلك من أعظم المشقة على البهائم؛ قال: وهذا جائز، ولو أتعبها، ما لم يبلغ حد الجور من تكليفها ما هو فوق طاقتها، وضربها لذلك فوق الحاجة. قال: وما ذكرناه من الوجهين معلوم من الشرع على الجملة وعليه الإجماع.

  هذا، وللإمام المهدي كلام حسن، ودليل عقلي مستحسن، في جواز تحميل البهائم المشقة في مصالح أنفسنا، حاصله: أنا نعلم من كل حيوان اختياره تحمل المشقة في طلب المعيشة، ولم نر حيواناً أجوف حتى النمل ساكناً عن طلب المعيشة إلا لمانع، فعلمنا بالعقل حسن تحميل البهائم التي لا تحمل رزقها كالأنعام والخيل ونحوها قدر ما تحمله هي لو طلبت المعيشة، ويكون ذلك في مقابلة القيام بها وحفظها من المهالك؛ لأن المعلوم أن اللّه تعالى لم يجعل متاعها وحفظ نفسها موكولاً إليها؛ إذ لا يمكنها ما يمكن المتوحشات من حفظ نفسها عما تخاف، فلو تركت تتبع رزقها في الفيافي والقفار لكان فيه هلاكها، فلما علمنا ذلك من حالها، وعلمنا من حال سائر الحيوانات أنها تكد أنفسها أكثر نهارها في طلب المعاش، راكبة للأخطار في ذلك علمنا حسن تحميل البهائم مثل مشقتها لو اشتغلت بالطلب كغيرها ويكون ذلك في مقابلة القيام بمؤونتها، وحفظها من السبع، والحر، والبرد، وغير ذلك.