تفسير قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 31 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العلي
  بنفسه وهو محال، وإذا كان كذلك فلا بد من أن يكون مُعَرَّفاً بغيره وهو باطل أيضاً؛ لتوقف تصور حقيقته على تصور ذلك الغير، وهو الجنس والفصل، لكن ذلك الغير لا يعلم إلا بالعلم، فيلزم الدور لتوقف معلومية كل منهما على معلومية الآخر، لا يقال: لا يلزم من امتناع كونه كسبياً أن يكون ضرورياً، لجواز أن يكون تصوره بالكنه ممتنعا؛ لأنا نقول: هو معلوم(١)، فيكون لا بالغير(٢) وهو الضروري.
  وأجيب بأن الدور إنما يلزم لو توقف تصور الغير على تصور حقيقة العلم، وليس كذلك، بل حصول فرد من أفراد العلم يتعلق بذلك الغير، ولهذا فإن جمهور العقلاء يعلمون أشياء كثيرة ولا يتصورون حقيقة العلم المطلق.
  وقال الجويني والغزالي: ليس امتناع حد العلم لكونه ضرورياً، وإنما لعسر تحديده لخفاء جنسه وفصله، ومن شرط الحد أن يكون أجلى من المحدود، ليحصل به التمييز، قالا: وإنما يعرف بالقسمة أو المثال، أما القسمة فكأن يقال: الاعتقاد إما جازم أولا، والجازم إما مطابق أو لا، والمطابق إما ثابت أو لا، فقد حصل من القسمة اعتقاد جازم مطابق ثابت متميز عن سائر الاعتقادات، وهذا هو العلم بمعنى اليقين، والمثال فكتشبيه إدراك البصيرة بإدراك الباصرة.
  وأجيب أن القسمة والمثال إن أفادا تمييز ماهية العلم عما عداها
(١) أي: العلم. تمت مؤلف.
(٢) لما ذكرنا. تمت مؤلف.