مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الخامسة [توقيف اللغة]

صفحة 2852 - الجزء 5

  لاختصاصهما بالموجود المحسوس بخلافها، فإنها تعم الموجود والمعدوم، والمحسوس والمعقول، والقديم والمحدث، والغائب والشاهد. وأيضاً هي أسهل منها وأيسر لموافقتها الأمر الطبيعي وهو النفَس بفتح الفاء؛ لأن الصوت إنما يتولد من كيفية مخصوصة في إخراج النفس، وذلك أمر ضروري لا تكلف فيه ولا مشقة بخلافهما. فإنهما لا يحصلان إلا بعلاج وتكلف ولأجل هذا قال العلماء: إن وضع اللغات من نعم اللّه العظيمة وألطافه الجسيمة؛ لأنه إما أن يكون اللّه هو الذي وضعها فذلك ظاهر، أو غيره فليس ذلك إلا بتمكينه وهدايته إليها بخلق العقل والقدرة عليها، فهي بأي الاعتبارين نعمة منه جل وعلا {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}⁣[النحل: ٥٣].

  وأما حقيقة الوضع فهو في اللغة: جعل الشيء في حيز معين⁣(⁣١)، وأما في الاصطلاح فقد اختلف في حده، فقيل: هو تخصيص شيء بشيء بحيث إذا أطلق الأول أو أحس فهم الثاني، وهذا منسوب إلى أئمة النحو والبيان والأصول. واعترض بأنه لم يثبت تعيين الواضع، وإذا لم يتعين فلا سبيل إلى النقل عنه بأنه خصص هذا اللفظ بهذا المعنى.

  وأجيب بمنع عدم تعيينه سلمنا فالاتفاق على أنه لا بد من واضع، وعلى أن اللغات منسوبة إليه يكفي في الحكم بالتخصيص؛ إذ لا يشترط النقل عن معين.


(١) إنما زادوا قوله: معين؛ لأن الجسم المتحرك دائماً المتضرب لا يتعين حيزه فلعله لا يكون موضوعاً لغة. تمت مؤلف.