تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  يستمر الترك في جميع الأوقات لم يعد ممتثلاً، بخلاف الأمر فإن المكلف به فيه فعل ما له صورة مخصوصة، ففي أي وقت فعله فقد امتثل ثم إنه قياس في اللغة.
  واعلم أن بعض الأدلة المذكورة ليست لغوية، وإنما هي شرعية كالرابع والخامس والبحث لغوي؛ إذ النزاع إنما هو في كون وضع الأمر للفور، ولا يعدل عنه إلا لدليل أو لا، وأما في الشرع فالخلاف فيه أمر وراء ذلك، وقد ذهب إليه الجويني كما مر، والإجماع والاحتياط إنما يصلحان دليلان له وكذلك الآية، وقد مر بيان وجه الاحتجاج بها، ويمكن أن يقال: أما الآية فهي دليل على أنه موضوع للفور؛ لأن الظاهر أن الملائكة فهموا الفور من الصيغة؛ إذ ليس في الكلام ما يقال إنهم سارعوا إلى السجود لأجله غير الأمر إلا أنه يقال: إذا قد ثبت أنه لم يوضع للفور وجب القول بأن الملائكة $ إنما فهموا الفورية من شيء آخر غير اللفظ. واللّه أعلم.
  وقد قيل: إن أمر الملائكة بالسجود ليس من محل النزاع؛ إذ محله إنما هو الأمر المطلق، وهذا مقيد بوقت معين بدليل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ٢٩}[الحجر].
  احتج القائلون بالتراخي بوجوه:
  أحدها: أن الأمر يقتضي إيقاع الفعل على الإطلاق، من دون تخصيص بوقت دون وقت؛ إذ لو أراد الحكيم تخصيصه لبينه، وإلا كان تكليفاً بما لا يعلم، وهو لا يجوز، فاقتضى ذلك أنه لم يرد به أول الأوقات، بل في أي وقت فعل فقد امتثل وهذا هو معنى التراخي.