مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2922 - الجزء 5

  وجواب آخر، وهو: أنه سمي بذلك لاستتاره، والاجتنان: الستر، قال ابن إسحاق: أما العرب فيقولون: ما الجن إلا كل من اجتن فلم يُرَ ويمكن أن يقال: معنى {كَانَ} صار أي صار من الجن، والمراد به أنه انتقل إلى أحكامهم، وصار كأحدهم بعد تلبسه بالمعصية.

  ورد الجواب الأول بأن ظاهر سياق الآية يُشعر بتعليل ترك السجود بكونه جنياً، ولا يمكن تعليل ترك السجود بكونه من نوع لا من الملائكة، أو بكونه كان خازناً للجنة مع ما في ذلك من مخالفة الظاهر، فإن المتبادر من لفظ الجن ما لا يدخل تحت الملك.

  وعن الثاني بأنه خلاف الظاهر وبأن القرآن قد فرق بين الملائكة والجن في قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ٤٠ ...} إلى قوله: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}⁣[سبأ: ٤١ - ٤٠] فوجب أن لا يكون إبليس من الملائكة بحال بعد إخبار الله تعالى بأنه من الجنه لا يقال: الآية معارضة بقوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}⁣[الصافات ١٥٨] وذلك أن قريشاً قالت: الملائكة بنات الله، فدلت الآية على أن الملائكة تسمى جناً؛ لأنا نقول: يحتمل أن بعض الكفار أثبت ذلك النسب في الجن كما أثبته في الملائكة، ويمكن أن تكون تسميتهم جناً بحسب أصل اللغة، لكن العرف قد خصص هذا الاسم بغيرهم، كما قيل في الدابة ونحوها.

  وعن الثالث بأنه خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلا لضرورة، ولقائل أن يقول: لا نسلم أن ترك السجود معلل بكونه من الجن؛ إذ لا يصح ذلك إلا لو كان الامتناع من الخضوع لله تعالى والامتثال لأوامره عام